تخيل لو قولتلك إنك تقدر تشتغل 16 ساعة في اليوم من غير ما تحس بأي ملل أو تعب! الحقيقة إن الموضوع أبسط مما تتخيل وتقدر كمان تعمله بسهولة شديدة، انا شخصياً بوصل للعدد دا من الساعات بشكل شبه يومي -وأحياناً تخطيته بس دا يعتبر استثناء- وعلى مدار أكتر من 5 سنين ومفتكرش في مرة حسيت بأي ملل أو فقدت شغفي تجاه اللي بعمله!
لو شايف أن الكلام دا تنفيذه مش بالسهولة اللي بتتقال بيه أو حتي شايف نفسك متقدرش تعمل كدا خد لحظة قبل ما تكمل قراية وحاول تفتكر هتلاقي إنك أصلاً عملت دا كتير في حياتك بصور وأشكال مختلفة وبعفوية تامة، زي الكتاب اللي كنت بتقراه وفجأة نسيت العالم والوقت وحتي احتياجاتك الشخصية، أو زي الحد اللي لما بتكلمه مش بتاخد بالك من الوقت وبتلاقي عدد كبير من الساعات عدى كأنه دقايق, أو حتي المذاكرة أو الشغل اللي كنت بتعمله وبتنسي نفسك والوقت وحتي إنك محتاج تاكل أو تشرب لحد ما تخلصه، كل دي أمثلة مختلفة انا متأكد إنك مريت بيها في حياتك أو لسا بتمر بيها بس مش واخد بالك منها أو مش مدرك الطريقة اللي دا بيحصل بيها.
دا بالظبط كان حالي لفترة طويلة من الوقت بصحي الصبح ببدأ أشتغل ثم بكتشف إن الساعة وصلت 1 الصبح! وإني كمان نسيت آكل (بدون أي مبالغة على فكرة دا بيحصلي كتير) وكمان إن الدروب اللي المفروض استخدمها علشان عيني وعلى الرغم إنها موجودة قصادي مأخدتش بالي تماماً من وجودها وكأنها مش موجودة إطلاقا! الموضوع دا كان بيحصلي كتير وكل يوم تقريباً بشكل عفوي ومفتكرش إني كنت عارف سببه وكمان مكنتش بعرف أعبر عنه لأنه مكنش عندي تفسير علمي أو منطقي أو حتى تسميه ليه، فا كنت كل ما بقول لحد أني بشتغل 16 ساعة في اليوم بيستغرب وبيحس إني ببالغ، كل دا لحد ما قريت كتاب عظيم اسمه Flow – the psychology of optimal experience تقدر تحمله من هنا
للرائع Mihaly Csikszentmihalyi (مش مشكلة انا برضه كنت بكسل أقرا اسمه) المهم إن الكتاب دا كان بيتكلم عن الـ Flow أو التدفق، وهي عبارة عن حالة ذهنية بتتوحد فيها كل حواسك تجاه هدف واحد وأثناء دخولك حالة التدفق بتنسي تماماً الإحساس بالوقت أو الملل أو التعب لدرجة إنك مش بتحس بوجود العالم الخارجي حواليك، والجميل أنه بيكون مرتبط بإحساس السعادة والحيوية والإنجاز وبيكون كل تركيزك بس على الحاجة اللي أنت بتعملها ودا بطبيعة الحال بيزود إنتاجيتك جداً وبيخلي عقلك أنشط فا بتقدر تتعامل مع تحديات أصعب بسهولة شديدة أو حتي بتعمل حاجات مكنتش تتخيل إنك تقدر تعملها في الوضع الطبيعي، ولقيت فيه تقريباً كل اللي كنت بعمله، وكانت دراسة الكاتب دا عن إزاي نقدر نحول التدفق من حالة بتحصلنا بشكل عفوي لحالة نقدر نتحكم فيها وندخلها بشكل إرادي.
الكتاب بيتكلم عن السعادة بشكل عام في مختلف أنماط حياتنا وإزاي نوصلها، هتكلم بس عن الجزء المرتبط بالشغل وإزي تقدر تدخل حالة التدفق الذهني وتخلي شغلك أسهل وأمتع وإنتاجيتك أفضل.
قبل ما أبدأ لو أنت بتشتغل حاجة مش بتحبها الكلام دا ممكن يكون صعب بالنسبالك أو تشوفه على إنه مجرد كلام نظري غير قابل للتنفيذ، لأنك غالباً هتكون بتتعامل مع الشغل على إنه حاجة أنت لازم تعملها وعبئ مفروض عليك، نصيحتي ليك متضيعش دقيقة من حياتك في إنك تعمل حاجة انت أصلاً مش بتحبها ودور على شغفك والحاجة اللي فعلاً بتحبها وساعتها أبدأ في تحويلها لمصدر دخل ليك. وطبعاً للأسف في 99% من بيئات العمل حالياً بيكون التركيز على الإنتاجية من حيث الكم ودا اللي بيخلي فكرة تحويل العمل لشيء ممتع في آخر الأولويات دا إذا كان موجود أصلاً.
إزاي أقدر أدخل في حالة تدفق ذهني وانا بشتغل؟
تقدر تدخل في حالة تدفق ذهني تقريباً إياً كان نوع شغلك إيه طالما أنت بتحبه فعلاً، من الجميل إن التصميم والبرمجة والرسم على سبيل المثال من أكتر المجالات الإبداعية وأسهلها في الدخول في حالة تدفق، علشان تقدر تدخل في حالة تدفق ذهني وأنت بتعمل أي نشاط في 5 شروط لازم تحققها:
- 1. الهدف Goal
لازم كمان يكون عندك هدف نهائي بتحاول تحققه من التاسك اللي انت بتعملها ، زي إنك تشوف شكل الموقع بعد ما تخلصه مثلاً أو تشوف تأثيره بعد تنفيذه، مينفعش تشتغل من غير هدف لأن بساطة الهدف هو اللي هيساعدك تكمل وتنجز اللي أنت بتعمله، لو معندكش هدف واضح ساعتها هتبقي بتشتغل بشكل عشوائي وهتزهق بسرعة لأن عقلك بينتج أحساس التحفيز في مقابل الأحساس بالنشوة أو المكافئة وطبعاً لو مفيش أحساس بالمكافئة أو النشوة من الوصول للهدف النهائي عقلك هيتوقف عن أنه يحفزك، زي مثلاً إنك بتشتغل (التحفيز) علشان تاخد راتب في آخر الشهر (المكافئة) لو مفيش راتب في آخر الشهر هل هتكمل شغل؟ أكيد لأ! علشان كدا مهم تحط لكل حاجة بتعملها هدف نهائي بتحاول توصله دا هيساعدك تدخل في حالة تدفق ذهني بسرعة وسهولة شديدة. - 2. ردود الأفعال Feedback
علشان تقدر تدخل في حالة تدفق لازم التاسك اللي بتعملها يكون ليها ردود أفعال داخلية وسريعة، على سبيل المثال لو كنت بتصمم وتغلبت على مشكلة واجهتك في التصميم أو فكرت في حل أذكي وأفضل ساعدك تحسن من مستوي أو جودة التصميم دا بيكون عندك رد فعل إيجابي للي بتعمله وبيديلك إحساس بالسعادة والإنجاز واللي بدوره بيخليك تدخل في حالة تدفق وتشتغل أكتر، لو مفيش ردود أفعال أو نتائج سريعة ونابعة منك انت شخصياً للي بتعمله ساعتها هتفقد الإحساس بالمتعة وتزهق منه بسرعة.
- 1. الهدف Goal
- 3. القياس Measurement
علشان تقدر تدخل في حالة تدفق أو إنك توصل من نقطة البداية للهدف النهائي لازم تقيس تقدمك من وقت للتاني دي من أكتر الحاجات اللي هتحفزك تدخل بشكل أكبر في حالة تدفق، زي مثلاً إنك بتحاول تخسر 10 كيلو من وزنك، من وقت للتاني لازم تشوف مدي التقدم اللي بتحرزه يعني مثلاً لو بعد 5 أيام لقيت نفسك خسرت 2 كيلو، دا هيكون محفز ودافع قوي جداً هيخليك تشتغل بشكل أكبر علشان توصل للهدف النهائي، أوجد طريقة تقيس بيها مدي التقدم اللي أحرزته وأستعملها باستمرار.
- 3. القياس Measurement
- 4. التحدي Challenge
دي تقريباً أكتر حاجة فيهم انا شخصياً بعملها دايماً، علشان تدخل في حالة تدفق لازم التاسك اللي بتعملها يكون فيها نوع من التحدي بس بشرط إنه ميكونش سهل جداً فا يبقي ممل أو صعب جداً فا يبقي متعب ويخليك تستسلم، بعيداً عن الكتاب من العادات الشخصية اللي انا بعملها في شغلي هي إني لازم أعمل حاجة معملتهاش أو أعمل حاجة أنا بعملها بس بطريقة مختلفة في كل مرة بعمل فيها الشغل دا! اللي بحاول أقولهولك إنك متحولش شغلك لحاجة تكرارية بتعملها بنفس الطريقة كل مرة لأنك هتزهق منها بسهولة جداً والأسواء إنك مش هتتطور فيها إطلاقاً، لكن على العكس ضيف عامل التحدي لشغلك ولو بشكل بسيط وتدريجي هتحس بفرق كبير وشغلك هيتحول للعبة وحاجة مسلية انت حابب تعملها ودا اللي بيدخلك بدوره في حالة التدفق الذهني (عن تجربة).
- 4. التحدي Challenge
- 5. تقليل التشتت Reduce Distraction
النقطة دي إتكلمت عنها في مقال “5 عادات بسيطة هتزود إنتاجيتك الضعف”، تقليل التشتت من الحاجات اللي هتساعدك تدخل حالة التدفق أسرع، وبعد ما تدخل في حالة التدفق المشتتات نفسها (خصوصاً الداخلية) هتلاحظ إنها بتختفي تماماً، زي إنك مش بتحس بالجوع مثلاً أو إنك عايز تروح الحمام أو تعمل أي حاجة كل دا بيختفي بصورة كبيرة (الموضوع متعلق بنظرية سيكولوجية وهي إن كل حاجة لازم تقابلها حاجة أعلي منها علشان تبقي عامل محفز)، المهم بقي إنك كمان تمنع المشتتات الخارجية زي ما قولت قبل كدا إنك متردش على موبايلك ويستحسن لو تعمله Do not disturb وتقفل الشات وانت شغال وتوصل للي حواليك إنك شغال فا ياريت محدش يقاطعك لأنك لو خرجت من حالة التدفق اللي انت فيها هتاخد وقت أطول علشان تدخلها مرة تانية ودا هيقلل إنتاجيتك بشكل كبير علشان كدا مهم تحافظ على حالة التدفق وتحمي نفسك من أي مشتتات خارجية ممكن تخرجك منها.
دول الخمس شروط اللي لو حققتهم في أي تاسك بتعملها هتقدر بسهولة تدخل في حالة تدفق وهتلاحظ أنه بيتم تصميم أغلب الأنشطة بناء عليهم زي الألعاب مثلاً ووسائل التعلم المختلفة وبعض أنواع الشغل.
حاجة أخيرة مهم تعرفها علشان متفقدش التدفق بتاعك هنفترض إنك بتدخل في حالة تدفق وأنت بتصمم موقع ما مثلاً، طول فترة تصميم وتكويد الموقع أنت كنت في حالة تدفق وحاسس بسعادة وإنتاجية عالية جداً، لحد ما وصلت لهدفك وهو إن الموقع خلاص أشتغل، في اللحظة دي هتبدأ تحس إنك خرجت من حالة التدفق طيب, المفروض تعمل إيه علشان دا ميحصلش؟
مهم تعرف إن مش كل نشاط بتعلمه بتقدر تدخل فيه في حالة تدفق، على سبيل المثال إنك تكون بتصمم مواقع بشكل مستمر دا مع الوقت مش هيسببلك تدفق، علشان تحافظ على التدفق بتاعك ممكن تجرب تصمم مواقع بشكل مختلف أو بلغات جديدة أو تضيف ليها مميزات جديدة أو المهم إنك تخلي اللي بتعمله فيه نوع جديد من التحدي وتعمله بشكل مبتكر أكتر وتضيفله اهتمام أكبر كمان، لأنك لو فضلت تعمل نفس النشاط بنفس الطريقة مش هتدخل في حالة تدفق.
ممكن تكون فعلاً بتدخل في حالة التدفق دي وأنت بتشتغل بس مش واخد بالك او إنك تكون مش عارف إزاي تنفذها في الحالتين معرفة شروط التدفق وإزاي تقدر تحوله من حاجة بتحصلك لحاجة انت بتعملها بنفسك هتفيدك وهتفرق معاك بشكل كبير.
كتير من الفريلانسرز بيواجهوا مشاكل في التشتت وقلة الإنتاجية, مشاركتك للمقال ممكن تساعد جداً ❤️