ي يوم الجمعة اللي فات حصلت حاجة جميلة جدًا، وهي توقيع دونالد ترامب الرئيس الأمريكي على قرار تفضيل المهارة على الشهادة الجامعية في التوظيف، وإن كانت دي حاجة بيتم العمل بيها بالفعل في كتير من الشركات إلا إن وجودها في صوة رسمية دا في حد ذاته حاجة مبشرة جدًا لمستقبل أفضل للي يستحق.
ولكن القرار دا بيسيبنا مع سؤال بنهايته علامة استفهام كبيرة، كبيرة جدًا الحقيقة، وهو “إيه هي أهم مهارة المفروض تكتسبها؟” أتمنى قبل ما تكمل قراءة إنك تقف فعلًا وتفكر في السؤال، الإجابة مش بالضرورة تكون صح أو غلط ولكن التفكير في السؤال في حد ذاته هو الهدف.
شخصيًا علاقتي بالسؤال دا كانت متأرجحة جدًا في آخر 5 سنين، لوقت كبير جدًا من حياتي كنت شايف إن مهارتك العملية (اللي بتشتغل بيها) هي أهم مهارة المفروض تكتسبها، وإن اكتساب مهارة عملية تقدر من خلالها تفيد نفسك ومجتمعك والعالم هو أهم حاجة المفروض تحققها في حياتك، طبعًا الكلام دا من أي منظور منطقي فهو صح بطريقة لا تقبل الشك أو حتى تدعوا لإعادة التفكير.
خليني أقول إن إعادة التفكير دايمًا مطلوبة! لأن ولكن بعد اكتسابي مهارة، أدركت إن في مهارة أهم من أي مهارة تانية وإن هي اللي كان المفروض أكتسبها واتدرب عليها طول الوقت بشكل أكبر حتى من اهتمامي بتطوير مهارتي اللي بشتغل من خلالها، المهارة دي هي القدرة على اتخاذ القرارات.
لو كنت سألتني السؤال دا من 4 سنين مثلًا كنت هقولك أكتسب مهارة وأتقنها لأن دا اللي هينفعك وهينفع بيك مجتمعك، لكن لو سألتني النهاردة بالتأكيد هقولك إن حياتك كلها بتتأثر بقدرتك على اتخاذ القرارات، ودا بالمعنى الحرفي للكلمة.
للأسف الشديد النظام “الدراسي” حتى لا أقول التعليمي، بيقتل فيك القدرة على اتخاذ القرارات، لأن الهدف منه مش أنك يكون عندك قدرة أفضل على اتخاذ القرارات ولكن إنك تكون “مطيع” سهل وضعك في إطار والتحكم بيك، سهل أنك تكون جزء من سيستم، بتأدي المطلوب منك وبس.
الطريف هو إن نفس النظام الدراسي بيتطلب منك اتخاذ قرارات قد يعتبرها البعض مصيرية، ولكن هي في الحقيقة قرارات كلها محسومة النتيجة وهي إنك بتختار الإطار اللي هتكمل فيه، علمي ولا أدبي، كلية س أو كلية ص؟ كل دي خيارات وقرارات بتأثر على الإطار اللي حابب تكون فيه لأنك بدخولك للإطار الجديد باختيارك فأنت برضه مخرجتش برا كونك جزء من السيستم، متلقي ولست منتج، بتأدي المطلوب منك بدون حتى القدرة على الاعتراض والأكثر طرافة وسخرية هو إنه من المفترض إنك بتتعلم إن العكس صحيح، بتتعلم رائعة أوليفر تويست “Please sir I want some more”!
سيبنا من الكلام عن النظام الدراسي ودعنا نحتفل بقرار أعتبره على المستوى الشخصي انتصار لكل الموهوبين اللي ظلمهم النظام دا في العالم، وخلينا نتكلم أكتر عن مهارة اتخاذ القرارات وليه هي أهم مهارة محتاج تكتسبها في حياتك.
كنت أشرت في مقال كيف تخرج من سجن وضعك الحالي، إلى إني كل 4 شهور بعمل تحليل للفترة اللي فاتت من حياتي وبناء عليه ببدأ أحدد القرارات اللي المفروض هاخدها الفترة الجاية، من الجوانب اللي ممكن مكونش أتكلمت عنها في المقال هي كم القلق اللي بيكون مرتبط بالقرارات اللي هاخدها في الفترة دي، لأن قرار واحد غلط ممكن يأثر بالسلب على حياتي لفترة طويلة، وقرار واحد صح ممكن أشوف تأثيره على باقي حياتي.
ممكن مكونش بتناقش مع أي حد في الموضوع دا، ولكن بعد فترة من الممارسة دي أدركت إن أهم مهارة هتكتسبها في حياتك هي القدرة على اتخاذ القرارات، في أي جانب من جوانب حياتك، وإن القرارت اللي بتتخذها بشكل يومي هي اللي بتأثر على مستقبلك أكتر من أي حاجة تاني.
المشكلة إن الكلمة وقعها مختلف عند كتير من الناس وكتير بيفسرها إنها حاجة كبيرة وضخمة، والحقيقة هي إن في يومك العادي أنت بتحتاج تاخد كم كبير جدًا من القرارات ولكن بتكون بمسمي “اختيارات”، أشتغل النهاردة ولا أتعلم؟ اتفرج على فيلم ولا أقرأ كتاب؟ أتابع مسلسل ولا سلسلة وثائقية؟ دي أمثلة من اختيارات ممكن تكون بتمر بيها كل يوم من غير ما تكون مدرك مدى تأثيرها على حياتك مستقبًلا.
ودا في حد ذاته من أهم الحاجات اللي على أساسها بقرر أنا هعمل إيه، فبميل دايمًا للاختيارات اللي هتأثر على مستقبلي أكتر من الاختيارات اللي هتديني متعة لحظية، زي إني بختار إني أقرأ كتاب أو أتعلم كلمات جديدة عن إني أتفرج على فيلم، لأن الاختيار الأول هيفيدني على المدى البعيد لكن الاختيار الثاني هيخليني مستمتع لفترة قصيرة.
التوقف عن الصراع مع الروتين هو الحل!
ولكن خليني أقولك إني اكتشفت إن دا في حد ذاته مش صح! أو مش اللي المفروض يحصل، اكتشفت إني في اليوم اللي بعمل فيه كم أكبر من الاختيارات (القرارات) جودة الاختيارات دي بتقل، وإن الصح مش إني أعيش يومي بطريقة تخليني محتاج آخد كم كبير من الاختيارات من الأساس وإني المفروض احتفظ بعقلي لاتخاذ القرارات الكبيرة والمهمة.
والحل هنا كان المشكلة اللي كنت بصارعها طول حياتي “الروتين” وفعلًا اكتشفت إن الصراع مع الروتين هو حرب الفايز فيها خسران، وإن الحل الأمثل هو إني أستغل الروتين في تقليل الحاجة لاتخاذ كم كبير من الاختيارات يوميًا بإني أخطط شكل يومي من البداية وأحافظ على روتين صحي، وفعلًا التجربة نجحت والروتين ساعدني بشكل كبير في إني أتعرض لكم أقل من الاختيارات يوميًا وإن دا فعلًا حسن من جودة قراراتي المهمة وبالتالي حسن من جودة حياتي بالكامل. كنت أتكلمت عن الموضوع دا بشكل أكبر في مقال الصراع مع الروتين.
في المرحلة دي فعلًا بقيت بعيش حياتي بأسلوب بسيط جدًا وهو إني إما أتجنب القرارات اليومية الكتير بإني أخطط ليومي بشكل مسبق وأحدد روتين صحي هيحقق أهدافي البعيدة، أو إني مديش أي اهتمام للاختيارات اللي تأثيرها مش هيدوم أكتر من يوم وأتأقلم عليها أو إني أتخذها بشكل مسبق.
ودا نتج عنه إني مبقتش بهتم إطلاقًا بأي اختيارات ملهاش تأثير يذكر على مستقبلي، زي انا هلبس إيه وانا خارج معظم الوقت ممكن تشوفني لابس تيشيرت أسود وجينز، وبالمنسبة دا مكنش تقليد لستيف جوبز أو مارك زوكربيرج، انا فعليًا مأخدتش لبالي من دا غير متأخر وخلاني أتأكد أكتر إن الاستنتاجات دي صح فعلًا.
واختيارات زي نوع أي حاجة بشتريها بتكون كلها متاخدة بشكل مسبق، لو سألتني مثلًا في أي وقت وانا في أي مطعم هطلب إيه هتلاقيني غالبًا رديت عليك بدون أي سابق تفكير، لأن القرارات دي كلها انا بكون واخدها بشكل مسبق وبتتغير على حسب المود مش أكتر وبشكل متحدد مسبقًا برضه! الحاجات دي كلها فعلًا سهلت عليا حياتي بشكل أكبر وادتني مساحة أكبر إني أحسن من جودة القرارات المهمة في حياتي.
مهارة أتخاذ القرارات المهمة!
وعلى ذكر القرارات المهمة، تقريبًا في آخر 4 مرات عملت فيها جلسة التحليل الثلث سنوية اللي اتكلمت عنها أثناء المقال أنا فعليًا كنت في كل مرة منهم بلاقي نفسي قصاد 3 اختيارات على الأقل، منهم اختيار هو الأكثر مخاطرة ولكن إذا نجحت في تحقيقه هيكون هو الأكثر تأثيرًا على حياتي بشكل إيجابي، في الـ 4 مرات كنت ببعد عن الاختيار دا (بأشكاله المختلفة) والنتيجة هي إن جودة القرارات الكبيرة -المرتبطة بالممارسة دي- مقدرش أقول إنها الأفضل ودا طبيعي. الهدف مش إنه يكون 100% من قراراتك صح، الهدف هو إن +50% من قراراتك تكون صح دا كل المطلوب تحققه واللي إذا قدرت تحققه حياتك كلها هتكون أفضل لأن تحقيقه مش بنفس سهولة الكلام عنه إطلاقًا.
وعلى ذكر آخر 4 مرات عملت فيها التحليل، في حاجة مهمة لازم تاخد بالك منها، وهي أنت في أي مرحلة من حياتك؟ بالنسبالي انا فعليًا في الوقت الحالي مش بحاول أقرر الصح، انا بحاول أختار الخطأ بأكبر قدر ممكن لأني مش في مرحلة من حياتي محتاج فيها إني آخد قرارات صح بقدر كوني محتاج أكتسب تجارب أكتر، لأن الحكمة بتقول
Good judgment comes from experience and experience comes from bad judgment
ويمكن دا السبب اللي ناس كتير أعرفها بتعتمد عليا في اتخذا قرارات كتير مشابهة وناس بتكون شايفة إني دايمًا بعرف أختار الصح، الحقيقة هو إن دي مش حاجة جميلة كما تبدو، لأن دا كان نتيجة كم هائل من التجارب والاختيارات الغلط! انا حرفيًا بتعمد أمر بتجارب كتير بغض النظر عن كونها صح أو غلط، ويمكن مفتكرش مرة في حياتي عرفت الصح واخترته من أول مرة ودا طبيعي لأن من غير الكم الهائل من التجارب والاختيارات الغلط سواء بالمرور بيها بشكل شخصي أو بمعرفتها من الآخرين مش هتقدر تختار الصح، ومش هتقدر تبني حكم أفضل على الاختيارات يساعدك على اتخاذ القرارات الصح.
بعتذر إن كنت أطلت الحديث عن نفسي في المقال دا، ولكن مفيش أي طريقة أفضل إني أشارك بيها الأفكار دي بدون ما تبدوا كتجارب شخصية، لأني مش بقول إن دا الصح المطلق، ولا اللي المفروض تعمله، انا ببساطة بشارك معاك تجربتي وانت ليك مطلق الحرية في نقدها والتفكير فيها بشكل تحليلي والاستفادة منها، لأن دا الهدف الأساسي من مشاركتها في المقام الأول.
إذا كنت قريت المقال حتى النقطة دي فبالتأكيد انا متحمس جدًا أعرف إجابتك على السؤال في بداية المقال كان إيه، وهل لو كانت مهارة غير القدرة على أتخاذ القرارات مازلت مقتنع أن في مهارة أهم منها؟ هكون سعيد إني أسمع منك.
3 تعليقات. Leave new
أول مهارة جت في دماغي كانت مهارة كيف تتعلم متوقعتش ان اتخاذ القرارات هي المهارة الاهم لكن بعد القراءة و الاسقاط على نفسي و حياتي اكتشف ان فعلا دي المهارة الاهم
سعيد جدًا يا أحمد أنك فكرت في مهارة التعلم الذاتي، هي فعلًا مهارة مهمة جدًا وسعدت أكتر لما أدركت أهمية مهارة إتخاذ القرارات بنهاية المقال، بتمنالك كل التوفيق.
مقال جميل جدا يا أستاذ علي ويمكن أكتر نقطة أثرت فيا هي حكمة إن كتر الأخطاء بتولد حكمة وخبرة لجودة قرارك المستقبلي. الفكرة دي مهمة جدا بالنسبة لي ودا لكوني شخصية انطوائية لحد التطرف للأسف, ودا خلاني في موقف تجنب لأي قرار أو نشاط تجنبًا للخطأ.
ممتن جدا لحضرتك <3