م مشكلة فخ وهم المعرفة هي مشكلة قلما يتم التطرق إليها، فقديماً كان يتم تقييم الأفراد حسب المعرفة التي يمتلكونها أو حسب ما يعرف الآن في علم الاجتماع برأس المال الثقافي Cultural Capital، فقد كانت قيمة المعرفة عالية جداً.
حتى أن ابن رشد -وهو عالم وفيلسوف كبير- كان يؤمن بالكمال الإنساني عن طريق المعرفة، وكان يعتبر أن تصنيف الإنسان العاقل مرتبط بمقدار ما يحصله من ثقافة ومعرفة في حياته، ولكن ماذا عن العصر الذي نعيش فيه الآن؟
أنا لا أختلف بالطبع مع ما قاله ابن رشد أو غيره عن المعرفة، ما أقوله هو أننا أصبحنا نعيش في عصر الإنترنت، فأصبح بإمكان حتى أبسط الأشخاص قدرة عقلية أن يتمكن من الوصول إلى قدر هائل من المعرفة وقتما أراد ذلك، فهل جعلنا هذا أكثر معرفة؟ وهل مازال اكتساب المعرفة بنفس ذلك القدر من الأهمية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين؟ وما هو فخ وهم المعرفة وكيف نقع ضحيته؟
لكي نتمكن من الإجابة على تلك الأسئلة يجب أن نبدأ من أحد قوانين علم الاقتصاد التي يمكن أن تنطبق على أي شيء تقريباً، وهو قانون العرض والطلب Law of Supply and Demand، فكلما توافر شيء بكثرة قلت قيمته، وكلما ندر ارتفعت قيمته في السماء.
هذا المبدأ ينطبق كذلك على المعرفة فقديماً كانت المعرفة عملة نادرة، وكان تحصيلها أمرٌ بالغ الصعوبة فكانت قيمتها مرتفعة جداً، أما الآن فقد أصبح اكتساب المعرفة أسهل من أي وقت مضى.
فيمكنك الحصول على كتاب عظيم، أو مقال رائع، أو فيلم وثائقي مليء بالمعلومات الجديدة، ببضع لمسات على شاشة هاتفك المحمول، ومع كل ذلك الكم الهائل المتاح لنا من معرفة أصبحنا أكثر وهماً لا أكثر معرفة كما نعتقد.
وصار لدينا عدة مشكلات جديدة، واحدة من أخطر تلك المشكلات، هي مشكلة السقوط في فخ وهم المعرفة وهي ما ستعرفها بشكل أفضل في الأسطر القادمة.
ما هو فخ وهم المعرفة
وهم المعرفة باختصار هو أن تعتقد أنك تعلم الكثير حول موضوع ما بينما في الحقيقة أنت لا تعرف سوى القليل جداً، وينتج هذا من وهم العمق التفسيري The Illusion of Explanatory Depth.
فإذا سألت أحد الأشخاص مثلاً: “هل تعرف كيف تعمل الساعة؟” فستجد أن الإجابة غالباً ما ستكون بنعم وربما حتى تجد بعد الأشخاص يذهبون بعيداً بقولهم “بالطبع! من لا يعلم ذلك!” إلى درجة تفقدك الثقة بما لديك من معرفة حول الأمر.
لكن إذا طلبت منه أن يشرح لك كيف تعمل الساعة، هنا سيبدأ في إدراك أنه بالغ في تقدير معرفته حول كيفية عمل الساعة، قد يماطل قليلاً ولكن في النهاية سيستسلم إلى الاعتراف بعدم معرفته الحقيقة حول كيفية عمل الساعة.
قد تستغرب من هذا الأمر ولكنك تمر به يومياً حتى في أبسط الأمور مثل سؤالك لشخص ما عن الاتجاهات مثلاً، أو عند مناقشتك أحد أصدقاءك عن موضوع ما.
وستجد هذه الظاهرة في أوضح صورها عند مشاهدتك لمذيعين يقومون بسؤال الناس في الشارع مثلاً، وقد تجد هذا الأمر مضحكاً دون أن تدري أننا جميعاً نمر بنفس المشكلة!
الأشخاص في الأمثلة السابقة هم في الغالب لا يحاولون خداعك، -أو على الأقل ليس كلهم- هم فقط يفشلون في تقدير عمق ما لديهم من معلومات ليس إلا، حتى أنت كذلك!
لذا وهم العمق التفسيري، أو ما أدعوه فخ وهم المعرفة، هو أن تفشل في معرفة وتحديد عمق معرفتك حول أمر ما، فتعتقد أن معرفتك أعمق مما هي عليه بالفعل، وهو ما يجعلك تجهل أنك لا تعلم.
وبالطبع أنت لا تلحظ ذلك لأنك ببساطة تجهل أنك لا تعلم، فكلما اعتقدت أنك أصبحت خبيراً في موضوع ما فأنت في الحقيقة لا تعرف عنه سوى القليل جداً.
وهناك أيضاً بحث آخر عن هذا الأمر قامت به Rebecca Lawson يعرف باسم معضلة الدراجة The Bicycle Problem.
تأثير دانينج-كروجر Dunning–Kruger Effect
فخ وهم المعرفة كما علمت لا يؤثر فقط على تقديرك لمعرفتك الحقيقية حول موضوع ما، فهو أيضاً يرتبط بتأثير تلك المعرفة الوهمية على ثقتك بمعرفتك أو بقدرتك على أداء مهمة ما تتطلب تلك المعرفة.
وهذا ما يعرف في علم النفس بتأثير دانينج-كروجر Dunning–Kruger Effect وهو العلاقة بين نسبة ثقتك في نفسك مقابل ما تمتلكه من معرفة أو خبرات، فالشخص الذي لا يكون لديه أي معرفة حول موضوع ما قد يعتقد مع أول معرفة يكتسبها حول هذا الموضوع بأنه أصبح ملماً به كليا، وتصبح لديه ثقة عالية في معرفته أو قدرته على أداء العمل.
ولكن حين يبدأ في التعلم أكثر فأكثر سيكتشف بأن هناك الكثير من الأمور التي لا يعلم عنها أي شيء! وبالتالي تبدأ ثقته في الانخفاض، حتى يكتسب المعرفة والخبرة الحقيقة ثم تعود ثقته في الارتفاع مرة أخرى بعد ذلك.
أعتقد أنك عرفت الآن ما هو فخ وهم المعرفة وكيف يؤثر على ثقتك، أعتقد أن ما يدور في ذهنك الآن هو ما السبب وراء السقوط في فخ وهم المعرفة؟ إليك الإجابة.
ما السبب وراء السقوط في فخ وهم المعرفة
حسناً لكي نعرف أكثر عن كيف نقع في فخ وهم المعرفة يجب أن نبدأ من أصل المشكلة، وهو أمرين:
- الأول أنه في الخمسون عاماً الماضية أصبحنا نعرف الكثير جداً عما كنا نعرفه من قبل عن كل شيء تقريباً فأصبح لدينا فيض معلوماتي هائل.
- والثاني هو أن كل تلك المعرفة أصبحت على بعد بضع ضغطات منا.
أضف إلى ذلك الكم الهائل من المشتتات التي تحيط بنا من كل جانب إلى درجة ظهور ما يعرف باسم اقتصاد الانتباه Attention Economy وقم بالتقليب قليلاً وستجد أنه لا يوجد وقت يكفي لتحصيل المزيد من المعرفة المتعمقة، بجانب أننا أصبحنا لا نبذل أي جهد يذكر في اكتسابها.
وبالرغم من تعقيد هاتين المشكلتين، إلا أن المشكلة الحقيقة تكمن في الطرق التي اتبعناها لحل تلك المشكلات، حيث جاءت الحلول في صورة تتناسب مع روح العصر -عصر السرعة بالطبع- فأصبحنا نعتمد على التلخيص والتبسيط كوسيلة لتحصيل أكبر قدر من المعرفة.
فبدلاً من قراءة كتاب مكون من 300 صفحة يمكنك فقط قراءة -أو الاستماع إلى- تلخيص ذلك الكتاب في فترة وجيزة لا تتعدى عشر دقائق لكي تتناسب مع قصر مدة الانتباه لديك.
وبدلاً من مطالعة محاضرات لعالم كبير تستغرق ساعات في شرح موضوع ما، تفضل تلك القناة على يوتيوب التي ستمنحك تبسيط سريع لتلك المحاضرات في 15 دقيقة فقط، مرحى!
ملخصات الكتب وتبسيط العلوم
هنا أجد صلب المشكلة، فالمشكلة الحقيقة تكمن في تلك الحلول التي أصبحنا نعتمد عليها في حل المشكلة الأم، لأنها في رأيي حلول سلبية أدت إلى تفاقم المشكلة الرئيسية أضعاف ما كانت عليه.
حتى أنني في كل مرة يسألني شخص ما عن رأيي في ملخصات الكتب أو القنوات والمصادر المتخصصة في تبسيط العلوم أقول بكل صراحة أنها هراء ولا أنصح بها.
لماذا؟ لأن هذا الأمر يجعلك تعتقد أنك تعرف مالا تعرفه حقاً ويدفعك أكثر إلى السقوط في فخ وهم المعرفة دون أن تدري، فبقرائتك لملخص ذلك الكتاب ستعتقد بأنك قرأته وتعرف كل ما فيه، بينما أنت لم تعرف إلا نسبة متواضعة مما يحتويه الكتاب.
بجانب أنك بنسبة كبيرة لن تقرأ الكتاب، لأن عقلك الباطن سيخبرك بأنك قرأته بالفعل، وعقولنا لا تحب تكرار المهام مثلما أخبرتك سابقاً.
لا تعطني المقال فقط أعطني التغريدة!
لذا أرى أن ملخصات الكتب وفيديوهات تبسيط العلوم هي أحد الأسباب الرئيسية في مشكلة الوقوع في فخ وهم المعرفة والخمول، فبدلاً من الغوص أعمق فيما لدينا من معرفة أصبحنا نميل إلى اكتساب معرفة سطحية جديدة، لأنها أصبحت مثل الوجبات سريعة التحضير، أسهل وأسرع ولا تجعلنا نشعر بالغباء.
فأصبح لديناً عقلية جديدة في التعامل مع المعرفة، لا أجد طريقة للتعبير عنها أدق من تلك الطريقة التي صاغها بها Naval وأقتبس:
لا تعطني المحاضرة فقط أعطني الكتاب، لا تعطني الكتاب فقط أعطني المقال، لا تعطني المقال فقط أعطني التغريدة، لا تعطني التغريدة فأنا أعلم بالفعل.
بسبب تلك الحلول أصبحنا أكثر كسلاً في تحصيل المعرفة، فأصبحنا نبحث عن أبسط صورة للمعرفة يمكننا الحصول عليها، لا لكي نعرف حقاً ولكن لنتظاهر بذلك.
وهذا بالضبط هو السقوط في فخ وهم المعرفة الذي أتحدث عنه، فتجد العديد من الناس يكتفون فقط بقراءة بعض المنشورات التي لا تتعدى بضعة أسطر على أحد مواقع التواصل الاجتماعي ويعتقدون بأنهم أصبحوا خبراء في هذا الموضوع أو ذاك.
وآخرون يشاهدون فيديوهات تقوم بتبسيط العلوم لا يتعدى الواحد منها عشرون دقيقة ومن ثم يعتقدون بأنهم يعلمون أمراً ما كما لا يعرفه أحد آخر!
وشخصياً كثيراً ما كنت الحظ ذلك الأمر، فأحياناً أكون قد قرأت كتاب يتحدث عن موضوع ما بتعمق كبير، واجد أحد الأشخاص قد أنتهى للتو من مشاهدة إحدى حلقات أحد برامج تبسيط العلوم -دون حتى أن يطلع على المصادر المستخدمة في تلك الحلقة- ويعتقد بأنه أصبح خبيراً في هذا الموضوع.
تأثير الإنترنت
ويتجلى أيضاً تأثير دانينج-كروجر في هذا الموقف فأجد ذلك الشخص يتحدث كما لو كان هو من قام بتأليف الكتاب الذي قرأته مؤخراً! وبعد مناقشة سريعة أكتشف أنه لا يمتلك إلا القليل جداً من المعرفة الحقيقة حول هذا الموضوع!
ما ساهم أيضاً في تفاقم تلك المشكلة هو سهولة الوصول لكل تلك الصور من المعرفة كما أشرت في البداية، وأن الإنترنت أصبح متاح طوال الوقت إلى حد أنه أصبح امتداد طبيعي لعقولنا، وجدول يتدفق من نهر افكارنا كما نعتقد.
فأصبحنا لا ندرك ما هو موجود في عقولنا فعلاً وما هو موجود على ذلك الموقع، أو بداخل هذا المحتوى، أصبحنا لا نفرق بين ما نعرفه ومالا نعرفه، وبالتالي نعتقد بأننا نعرف كل شيء!
كيف تعرف بأنك وقعت في فخ وهم المعرفة
حسناً، حسناً، أعتقد أنك علمت أن هناك مشكلة، وأن الحلول التي تم الاعتماد عليها في حل تلك المشكلة أدت بدورها إلى مشاكل أكبر وأكثر خطورة، ولكن ماذا الآن؟ أعني كيف نخرج من تلك الدائرة المغلقة؟
أول خطوات الخروج من فخ وهم المعرفة هو أن تدرك أولاً أنك به بالفعل، فمثلما قلت سابقاً أن وهم المعرفة هي مشكلة نمر بها جميعاً -باستثناءات ضئيلة جداً- ولكن بنسب متفاوتة.
وهو ما تحدث عنه أيضاً ستيفن سلومان وفيليب فيرنباخ في كتابهما الذي أنصح بقراءته وهم المعرفة The Knowledge Illusion.
من يقع في فخ وهم المعرفة غالباً لا يعلم أنه وقع فريسة هذا الفخ، لأنه ببساطة لا يعرف أنه لا يعرف! ونظراً لفضوله فكل ما يهمه هو أن يعرف أكثر، وبأن يعرف أكثر فهو يشعر بأنه يسير في الطريق الصحيح لذا بالنسبة له لا توجد مشكلة.
إلا أن تأتي اللحظة التي يدرك فيها بأن ما يعلمه هو في الحقيقة أقل بكثير مما يجهله حول موضوع ما، وأن هناك الكثير ليعرفه، وأنه لا يمتلك إلا جزء ضئيل جداً من المعرفة حول هذا الموضوع، لهذا أقول بأن من يجهل أنه يجهل أشد خطراً ممن يعلم بأنه يجهل.
لأن الأخير سيحاول أن يعرف، ولكن الأول سيعتقد بأنه يعرف بالفعل وحين يكون في موقف يتطلب منه التصرف وفق معرفته سيتضح له كيف أنه لا يعلم ما كان يعتقد أنه يعرفه وأظن بأن جميعنا قد مر بهذا الأمر من قبل.
ولعل أجمل ما في تلك التجربة هو تلك اللحظة التي تدرك فيها أنك كنت ضحية أخري لضحايا فخ وهم المعرفة لذا حتى لا أطيل الحديث دعني أروي لك قصة قصيرة عن كيف اكتشفت الأمر فقد تساعدك أنت أيضاً.
ما الذي تعلمته من مكتبة عمي!
في أحد المرات التي كنت أزور فيها عمي -رحمه الله- قبل وفاته بفترة وجيزة، تأملت مكتبته الكبيرة والتي دائماً ما كانت تبهرني، لأنها كانت تحتوي على مئات الكتب والمجلدات التي قضى بعضها في هذه الدنيا وقت أكثر مما قضيت.
سألته في تلك المرة هل ما إذا كان قد قرأ كل تلك الكتب الموجودة في مكتبته، فنظر إليها وقال بأنها موجودة في مكتبته بالفعل فلا حاجة له لكي يقرأها كلها، هو فقط بحاجة إلى أن يعرف كيف يصل إلى ما فيها حين يحتاجه.
كانت تلك الإجابة صادمة بالنسبة لي، فما توقعته هو أن يحدثني عن الكتب التي أحبها أو على الأقل قليلاً عن ذكرياته مع هذا الكتاب أو ذاك، كأي شخص محب للقراءة، ولكن هذا لم يحدث!
ظللت أتأمل إجابة عمي الوجيزة التي تحمل الكثير من المعاني بداخلها، وصرت أتسائل هل ما إذا كنت قد فهمت ما قاله، ويمكنني القول بأن محاولة إدراك ما قاله لي هو ما قادني إلى خوض هذه التجربة وكتابة هذا المقال في الأساس.
فما لاحظته هو أنني أقوم يومياً بمحاولة اكتساب أكبر قدر ممكن من المعرفة في مجالات مختلفة (بجانب مجال عملي بالطبع)، فأقرأ هذا الكتاب، وأطلع على هذا المقال، وأشاهد هذا الفيلم الوثائقي، وأستمع إلى هذا البودكاست، وأتناقش مع أحد أصدقائي عن هذا الموضوع أو ذاك.
بعدما تنبهت إلى كيف كنت أنظر إلى المعرفة وكيف كان يراها عمي، أدركت أن هناك خلل ما في ممارساتي تجاه المعرفة لم أتمكن من ملاحظته من قبل، فهو يرى مكتبته كمرجع يساعده على الوصول إلى ما يريد معرفته وقتما يريد معرفته.
وانا على العكس أحاول أن أحتفظ بكل ما في الكتب في عقلي! شعرت بكثير من السذاجة حينما أدركت بأن ما كنت أقوم كان خطأ كبيراً.
وهم العمق التفسيري
بالفعل بدأت في البحث عن الأمر، حتى توصلت إلى تلك الدراسة التي قام بها العالمان ليونيد روزنبيلت وفرانك كيل والتي كانت بعنوان وهم العمق التفسيري The illusion of explanatory depth (ستجد رابط الدراسة في المصادر).
ومن هنا اكتشفت أن السقوط في فخ وهم المعرفة يبدأ بشكل طبيعي جداً، لن أستخدم ما ذكره روزنبيلت وكيل في بحثهما حتى تستكشفه بنفسك إذا ما أردت، ولكن سأقوم بشرحه بالطريقة التي عشتها به.
في البداية ستجد أنك شخص فضولي وتعتقد أنه من حسن حظك أن فضولك دائماً ما يقودك لمعرفة المزيد، فتشعر برغبة في أن تعرف أكثر عن أي شيء وكل شيء تتعرض له.
ولأنك غالباً ما تحب القراءة والاستطلاع فتقرأ الكتب والمقالات بحثاً عن أشياء لم تكن تعرفها مسبقاً، فتقودك إلى أشياء أخرى تقودك بدورها إلى أخرى وأخرى.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فلا تملك نفسك من البحث عن معنى تلك الكلمة التي سمعتها من أحد الأشخاص وهو يتحدث، أو عن هذا الاسم، أو ذاك الموضوع أو حتى عن حل تلك المشكلة.
لا تسيئ فهمي فهذا أمر جيد ومن الرائع أنك تقوم بذلك، ولكن كما تعلم فإن كل ما زاد عن حده أنقلب ضده، لذا تبدأ المشكلة الحقيقة في الظهور عندما تصل إلى مرحلة أبعد من هذا.
وهي أن تعرف من أجل أن تعرف، لا من أجل توظيف تلك المعرفة، بل وقد تصل إلى مرحلة أكثر خطورة وهي أن مواصلتك في اكتساب المزيد من المعرفة يعوقك عن البدء في العمل واستخدامها.
الإغراق المعلوماتي
ولعل أحد أكثر الأمثلة التي أراها يومياً، هي أنه عادة ما يقوم شخص ما بإخباري بأنه قد قرأ جميع المقالات في قسم الفريلانس مثلاً، فأخبره بأن هذا رائع! وأسأل عما إذا كان قد قام بتحقيق أي شيء بعد، ويخبرني بانه لم يبدأ حتى في العمل!
أرأيت؟ هذا ما أتحدث عنه، وربما هذا المثال واضح بعض الشيء وهو ما يعرف في علم النفس بالإغراق المعلوماتي Information overload ولكن المشكلة قد لا تكون دائماً بهذا الوضوح.
وهكذا ستعرف إذا ما كنت أنت أيضاً تمر بمشكلة السقوط في فخ وهم المعرفة ، والآن بقي فقط أن تعرف كيف تخرج من مشكلة فخ وهم المعرفة.
كيف تتحرر من السقوط ضحية فخ وهم المعرفة
بعد الكثير من البحث عن المشكلة، وقراءة ما شاركته معك من كتب وأبحاث حول تلك المشكلة، وجدت أنه -للأسف- لا يمكن حل تلك المشكلة بشكل كلي.
حتى ستيفن سلومان مؤلف الكتاب لم يقم بتقديم أي حلول يمكن تطبيقها للخروج من تلك المشكلة! وهو ما أزعجني كثيراً في الحقيقة.
ولكن لم أتقبل هذا الأمر، فمنذ مارس من العام الماضي وانا أفكر في وأختبر العديد من الحلول لتلك المشكلة، وهناك خبران حول هذا الأمر.
الخبر السيء هو أنني في النهاية لا يمكنني القول بأن لدي حل سيخلصنا جميعاً من هذه المشكلة، فقد أصبح الأمر معقد جداً ويشترك فيه الكثير من المشاكل الأخرى والتي لا يمكن حلها في ليلة وضحاها.
والخبر الجيد هو أنني بعد الكثير من التفكير والتجارب والتحاليل، أعتقد أنني توصلت إلى بعض الحلول التي ساعدتني (بشكل شخصي) في حل تلك المشكلة بنسبة كبيرة -حتى لا أقول كلياً-، والتي أعتقد أنها ستساعدك أنت أيضاً حتى وإن كان بشكل نسبي أيضاً.
ولكن نظراً لأن تلك الحلول ستستغرق بعض الوقت في إعدادها ومشاركتها، وأيضاًُ لأنني أخذت الكثير من وقتك بالفعل في قراءة هذا المقال، وأنك لست بكامل تركيزك أو حتى استعدادك للتطبيق، سأقوم بمشاركة كل تلك التجارب والحلول في مقال منفصل في الأسابيع القادمة بإذن الله.
أدعوك للاشتراك في القائمة البريدية حتى تكن أول من يعلم حين يتم نشره، والآن سأتركك مع خلاصة ما ورد في هذا المقال حتى تكتمل الصورة لديك حول المشكلة.
الخلاصة
خلاصة ما ورد في هذا المقال هو أننا جميعاً نعيش مشكلة وهم المعرفة، ونعتقد أننا نعرف أكثر مما نعرفه، ونفشل في تحديد عمق معرفتنا بما نعرفه فنعتقد بأننا نعرف الكثير بينما نحن لا نعرف إلا القليل.
وأن المشكلة الأكبر هي أننا لا ندرك هذا الأمر، لذلك يبدأ حل تلك المشكلة فعلياً مع إدراك تلك الحقيقة، وأيضاً تجنب اكتساب المعرفة من أجل اكتساب المعرفة أو التظاهر بذلك، وأننا ينبغي أن نعرف فقط ما نحن بحاجة إلى معرفته ليس أكثر.
إلى أن القاك في المقال القادم، أتمنى أن تكون قد وجدت شيئا مفيداً بهذا المقال، وسأكون سعيداً بمناقشتك أو الإجابة على أحد تساؤلاتك أو حتى معرفة رأيك حول هذا المقال بالتعليقات.
ولا تنسى الاطلاع على تلك المصادر لمعرفة المزيد:
Dunning–Kruger Effect – Wikipedia
Joe Rogan Experience #1309 – Naval Ravikant
The Knowledge Illusion – Steven Sloman & Philip Fernbach
The misunderstood limits of folk science: an illusion of explanatory depth – Leonid Rozenblit & Frank Keil
11 تعليق. Leave new
لمست الجرح يا على .. فعلا
للاسف هذا المشكلة منتشرة بشكل كبير جدا و المشكلة الاكبر انو الشخص بكون مش مدرك ذالك تمام وممكن يبلش يبني كثير شغلات على معرفة وهمية و يفشل و هذا الموضوع منتشر كثير عند رواد الاعمال الشباب بشكل غريب جدا و انا اكتشفت الموضوع بشكل متاخر و لكن اكتشاف الشيء افضل من عدمه 🙂 و خلال السنة الي فاتت كنت بحاول احل المشكلة و كنت بحاول ابعد عن المحتوى المختصر و فعلا كنت بفضل خلال السنة اني اتعامل مع الكتب فقط عند الحاجة مثل المثال الي ذكرتو ب الزبط وخصوصا الكتب الي في مجال عملي (Software Development) و هذا الطريقة ممكن تنطبق على اغلب المجالات، مش حكذب عليك لو قلت ليك اني اصلا ما كنت مدرك اصل المشكلة بصورة ديه و مع ذالك كنت بحاول اعالجه .. مجهود عظيم يا صديقي ..
كلنا جرحى يا إبراهيم.
بالفعل هي منتشرة جداً ومؤثرة جداً في نفس الوقت، ولكن على الجانب الآخر سعيد باكتشافك للمشكلة بالتأكيد دا أفضل بكتير من عدم إكتشافها وأتوقع كان ليه تأثير إيجابي على جوانب كتير في حياتك.
جميلة الحلول اللي طبقتها خلال السنة الأخيرة، والإبتعاد عن أو تقليل المحتوى السريع هو الحل الأفضل، أتمنى أكون ساعدتك تدرك أصل المشكلة يا إبراهيم، وأتمنى أقدر أوفرلك حلول أكثر وأفضل في المقال القادم بإذن الله.
صدقت يا علي فعلا ، كلامك صح جدا وخصوصا انك ممكن تشوف اعلانات كتير عن انو شئ معين سهل جدا ومش بصعوبة وبيبدء يظهرلك مثلا انو شئ حتا لا يحتاج للجهد متل الربح من الانترنت
سعيد بإتفاقك يا عمران وحقيقي دا شيء بيحصل كتير ومرسف وكان سبق وأتكلمت عنه في مقال الربح من الإنترنت
ليه كل ما بشغل الجرس يقلي تم حظرك من تلقي التنبيهات, والاشتراك يقلي غير صالح ?
بنعتذر عن الخطأ يا سو سيتم إصلاحه والمتابعة معاكي.
صراحة مقال يفوق الوصف …. شكراً
أشكرك يا مؤمن على قراءتك وتعليقك الجميل.
متابعه بشغف
وانا سعيد بمتابعتك يا رشا وإن شاء الله هيكون في أكتر مستقبلًا.
علي صديقي العزيز إزيك؟ أتمني تكون بخير
معرفش هتشوف الكومنت بتاعي ولا لا بس قررت أبعتلك علي أي حال
أنا تذكرتك وأنا بتفرج علي كورس بناء متجر إلكتروني باالوورد برس وكان عندي سؤال
أفضل مكان أشتري منه ثيم للمتجر هو Envato Market صح؟
وفيه سؤال تاني معلش لو هيبان ساذج بس مضطر أسأله 😀
شراء الثيم بيبقي معايا مدي الحساة صح مش بااشتراك شهري؟
وشكراً لوقتك